تاريخ التمر عبر العصور بين ثقافات الماضي والحاضر
- دليل التمور من المزرعة إلى المائدة
- يناير 22, 2024
- 9 minutes read
- لا يعرف الباحثون تاريخ التمر بدقة، لكن توجد دلائل في الحضارة البابلية تبين أن تاريخ التمور يمتد لأكثر من ٤٠٠٠ عام.
- للتمر منزلة خاصة في الديانات السماوية الثلاث: الإسلام، والمسيحية، واليهودية. وتجلت في مظاهر الاحتفالات الدينية.
- أسهَم تاريخ التمور العريق في تأصيل دورها في المطبخ العربي منذ القِدم فدخلت التمور في كثير من الأطباق الشهيرة.
- ما يزال التمر يتمتع بمكانة خاصة في زمننا الحاضر، فهيا بنا ننطلق في رحلتنا لنتعرف إلى تاريخ التمر عبر الأزمان.
ما أجمل أن نعرف أن تاريخ التمر غنيٌّ كطعمه! فهو من أقدم الثمار التي أُعجب بطعمها الإنسان واهتم بزراعتها منذ أكثر من ٤٠٠٠ سنة قبل الميلاد في منطقة الشرق الأوسط، وقد امتدت من مصر إلى بلاد ما بين النهرين، وعكف كثير من الباحثين على دراسة تاريخ التمور المملوء بالتساؤلات، فحاولوا إجابتها وكشف أسرارها، فهيا بنا ننطلق في رحلتنا عبر السطور لنعرف ماذا قالت العرب عن التمر؟ وما تاريخ التمور وأصلها في الحضارات البابلية والفينيقية وغيرها؟ وما مكانة التمر في الأديان السماوية؟
ما اسم التمر قديما؟ وما سر تسميته بهذا الاسم؟
يُحكى من تاريخ التمور قديمًا أن العرب كانوا يطلقون على التمر بمُسامر الرَّكب أي مؤْنِس طريق السفر، إذ لا يحتاج إلى إعداد سابق لتناوله في رحلاتهم، فكان أول ما يلجؤون إليه لسد جُوعهم.
أما ما ذاع بين العامة أنهم قالوا أن التمر مَسامير الرُّكَب، فإنهم يقصدون أنه مُغَذٍّ وداعمٌ للرُّكَب لما فيه من مغذيات، مثل الألياف والبروتينات والسكريات الطبيعية والفيتامينات والمعادن، لذلك حرص العرب على تناوله، فقد قال أحد الأجداد: إن استخدامات التمر وفوائده تساوي عدد أيام السنة!
ما هو اصل التمر؟
ربما يتوارد إلى أذهاننا سؤال: من اول من اكتشف التمر؟ لا يعرف الجيولوجيون تاريخًا مؤكَّدًا للظهور الأول لنخيل التمر، لكن تشير بعض الدلائل إلى أن تاريخ التمر بدأ في العراق، إذ استُخدم في بناء أحد المعابد في الجنوب.
أيضًا فقد فهم علماء الآثار كثيرًا عن تاريخ التمور عندما اكتشفوا آلافًا من القطع الأثرية القديمة -التي يرجع أصلها إلى آلاف السنين- تحوي نقوشًا عن نخيل التمر، ومن بينها قطعة أثرية أدهشت علماء الآثار، وُجدت في مصر في منطقة سقارة بالقرب من وادي النيل وكانت مصنوعة من أوراق النخيل المَجدولة.
استخدم علماء الآثار الكربون المُشِعَّ لمعرفة تاريخ التمر من خلال عُمر هذه القطعة؛ فتبين أنها ترجع إلى العصر البطليموسي الذي حكم مصر في المدة بين ٣٥٧ إلى ١١٨ قبل الميلاد، أي أكثر من ٢٠٠٠ عام.
ومن المذهل أنه بعد التشريح الجيني لهذه القطعة المشغولة يدويًا وجدوا أن أوراقها مأخوذة من نخلة مُهَجَّنَةٍ نتجت من نوعين من نخيل التمر القديم؛ الأول شائع النمو في جزيرة كريت وتركيا، والثاني يكثر نموه في شرق آسيا في بنجلاديش وجنوب شرق الهند ونيبال وباكستان وغرب جُزُر الهيمالايا.
وتشير دلائل أخرى إلى أن زراعة النخيل قد بدأت قبل ٦٠٠٠ سنة في منطقة الخليج الفارسي، ثم امتدت إلى شمال إفريقيا التي نشأ منها شكل نخيل التمر الحالي.
تاريخ التمور في مختلف الثقافات
حصل علماء الآثار على بقايا أثرية قديمة تتبع حضارات مختلفة يظنون أن تاريخ التمر قد بدأ منها، مثل السومرية والأكدية والبابلية، أثبتت أن سكان هذه الحضارات كانوا يستخدمون سعف النخيل -أي أوراقه- في تغطية أسقف بيوتهم، كما استخدموا التمر نفسه لأغراض علاجية إلى جانب تناوله في وجباتهم اليومية لفوائده.
وقد ازدهرت زراعة نخيل التمر في العالم في اتجاهين مختلفين:
- أولهما من بلاد الرافدين إلى إيران ومنها إلى باكستان.
- ثانيهما من مصر إلى ليبيا ثم إلى المغرب والبلاد الساحلية.
ولا شك أن تاريخ التمور زاخر بالمعتقدات والقِيَمِ التي يحرص عليها أبناء الدين الواحد في الشرائع السماوية كافةً، الإسلام والمسيحية واليهودية، وهو ما ستحكيه سطورنا فيما يلي.
تاريخ التمر في الإسلام
التمر ثمرة مباركة في الإسلام، فقد ذكر الله -تعالى- أشجار النخيل في القرآن الكريم عدة مرات، كما ورد في السنة عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- أنه حث المسلمين على تناول التمر والعناية بنخلة التمر لما يأتينا منها من فوائد، لذلك أوصانا بتناول ٧ تمرات كل صباح دَرْءًا للأمراض.
وهو ضيف أساسي على مائدة الإفطار طوال ٣٠ يومًا في رمضان، يفتتح به المسلمون فِطرهم مع غروب الشمس، ويأكلونه في صور مختلفة، إما مضافًا إلى الحليب وإما على حالته دون تغيير.
تاريخ التمر في المسيحية
لأشجار النخيل منزلة خاصة في المسيحية، إذ يحتفل المسيحيون بالأسبوع المقدَّس بداية من أحد الشعانين الذي يسبق يوم شم النسيم، حاملين أوراق نخيل التمر التي باركها القِسُّ في الكنيسة ويمشون في الطرقات، تخليدًا لذكرى الأجداد الذين حملوها احتفالًا باستقبال المسيح عند دخوله مدينة القدس.
تاريخ التمر في اليهودية
ولمعرفة تاريخ التمر في اليهودية، نجد أن التمر يعد واحدًا من الفواكه السبع المقدسة في التوراة، ويعد عضوًا أساسيًا في المطبخ اليهودي، إذ يستخلصون منه شرابًا حلو الطعم، ويسمونه سيلان الذي يمثل المكوِّن الحلو المذاق الموجود في أرض الميعاد أو أرض الحليب والعسل وفق معتقداتهم.
تاريخ التمر في الحضارة الفينيقية
عُرفت الحضارة الفينيقية عبر منطقة شرق البحر المتوسط بانتشار زراعة النخيل، خاصةً في بلدة طير حرفا وصيدا في لبنان وفلسطين وجنوب سوريا، وكانت تسمى هذه المنطقة بأرض النخيل، ودللت على ذلك قطعة نقدية اكتشفت في صيدا منقوش عليها شجرة النخيل.
وبعد حصار القدس عام ٧٠ ميلاديًا على يد الإمبراطور الروماني تايتوس، أصدر والده الإمبراطور فيسباسيان قطعة نقدية مرسوم عليها سيدة تنتحب تحت نخلة التمر، مما أكد انتشار النخيل في هذه المنطقة من العالم.
تاريخ التمر في الثقافة العربية والمطبخ العربي
في مطبخنا العربي، نأكل التمر في كل حالاته، سواء كان طازجًا أو مجففًا، محشوًا أو غير محشو، مهروسًا أو مُقَطَّعًا، ويصنعون منه دبس التمر، لذلك فالتمر متعدد الاستعمالات، سهل الاندماج في الأطباق الشعبية العربية المختلفة بفضل الطباخين الماهرين الذين علموا فوائده فتفننوا في الإبداع في استخدامه.
على سبيل المثال نجده جزءًا من إضافات السلطات وبعض العصائر، بالإضافة إلى ذلك يُفَضَّل استخدام سكر التمر في كثير من الوصفات على سكر القصب، وجدير بالذكر معرفة أن سكر التمر يُصنع من تمر مجفَّف مطحون في صورة مسحوق دون إضافات.
كذلك يشتهر وجوده في ألواح الطاقة التي يستهلكها الرياضيون لما تحتويه من نسبة عالية من الطاقة إلى جانب كمية كافية من السكريات غير المصنَّعة، التي تتمثل غالبًا في الجلوكوز والفركتوز.
ولمُحبي استخدام التمر في عمل الوَصَفات ننوه أن لكل نوع من التمر سماته الخاصة التي تؤدي إلى اختلاف طعمه واستخداماته، فمثلا البلح المجدول نجده يتميز بملمس خارجي ناعم، وطعم يشبه الكراميل لذلك يَطِيب دَمْجُهُ في الوصفات التي تحتوي على الجبن أو اللوز.
وعلى النقيض نلاحظ أن تمر دقلة نور ذا المذاق الحلو والقوام الرقيق يحلو استخدامه في المخبوزات أو أكله على حِدَةٍ دون أي إضافات.
معلومات عن زراعة أشجار النخيل
يبدأ حصاد نخيل التمر بعد ٧ إلى ١٠ سنوات من تاريخ زراعته، ويعتمد تلقيح النخلة طبيعيًا على الرياح، لكن غالبًا ما يلجأ المزارع إلى التلقيح اليدوي بأن يتسلق أعلى النخلة حتى يصل إلى الزهور وينقل حبوب اللقاح يدويًا، وذلك لأهداف تجارية، للتأكد من تلقيح أكبر قدر من حبوب اللقاح لضمان إنتاج أكبر محصول ممكن.
ويمكن للنخلة الواحدة أن تمدنا بالتمر قرابة ٤٠ إلى ٥٠ عامًا ويوجد المئات من أنواع التمور نذكر منها:
التمر في عصرنا الحالي
تعد مصر من أكبر الدول إنتاجًا للتمر، يليها إيران، فالجزائر، ثم السعودية والإمارات العربية المتحدة، نظرًا لطبيعة هذه البلاد المناسبة لزراعته، إذ يتوفر فيها المياه الجوفية ودرجة الحرارة العالية والمناخ الجاف، وهو ما تتميز به هذه المنطقة مما جعلها أرضًا مناسبة لصناعة تاريخ التمر العريق.
والآن، وبعد انتهاء رحلتنا التي انطلقت بين السطور تحكي عن تاريخ التمر، وعن أهمية نخلة التمر التاريخية على مر العصور، وتناولنا تاريخ التمور بداية من عصور قبل الميلاد البابلية والفينيقية، مرورًا بفضل هذه الثمرة وقيمتها عبر العصور الدينية؛ اليهودية والمسيحية والإسلامية- أصبح لزامًا علينا الحرص على إدراج مختلف أنواع التمور يوميًا في نظامنا الغذائي، خاصةً للأطفال. فهيا بنا نبدأ عادةً جديدة نلتزم فيها بتناول بضع حبات من التمر في الصباح ومثلما قيل قديمًا: بيت لا تمر فيه جياع أهله.
للتمر منزلة رفيعة منذ القِدم، ويظن الباحثون أن تاريخ التمر قد بدأ منذ أكثر من ٤٠٠٠ سنة، بدءًا من منطقة شرق البحر المتوسط، وساعدهم على ذلك ما اكتشفوه من قطع أثرية تخص تاريخ التمر في الحضارات البابلية والفينيقية والمصرية القديمة، وما يزال للتمر مقامٌ محفوظ حتى هذه الأيام.
الكربون المُشِع
تقنية علمية يمكنها تحديد عُمر المواد العضوية القديمة التي قد يصل عمرها إلى ٦٠٠٠٠ عام.